الماء أصل الحياة وسرها، وهو العنصر الأول المكون لكل خلية حية؛ فلا حياة بلا ماء. قال الله تعالى: } وَ جَعَلْنَاْ مِنَ المَاْءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاْ يُؤْمِنُوْنَ{ والماء عنصر مهم جدا لأي حياة نباتية، مصداقا لقوله تعالى:{ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ }[1] ، كما أنه أصل كل تشكل حيواني { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ }[2] وهناك بعض العلماء يعرفون الحياة بأنها ظاهرة مائية؛ لأنه لا يوجد كائن حي واحد يستطيع الحياة دون ماء. نعم هناك بعض الكائنات تستطيع تحمل الجفاف زمنا طويلا، ولكنها لا تفعل ذلك إلا وهي كامنة لا نشاط لها، ومتدثرة بأغطيه تحميها من أن تجف حتى تموت. ولكن لا يوجد كائن حي واحد، يستطيع النمو والتكاثر دون ماء.
الكائنات الحية معظم أجسامها ماء، ولكنها تتفاوت في ذلك، بحسب طبيعة بيئتها وخصائصها وأطوار حياتها؛ فالماء، على سبيل المثال، قليل في البذور والأظلاف والقرون، وقليل نسبيا في بعض حيوانات. الصحراء، ولكنه يزيد على التسعين في المئة من أوزان لعض الثمار مثل: الطماطم، والخيار، وكثير من الكائنات البحرية. ولو اتخذنا الإنسان مثالا، لوجدنا أن نحوا من ثلثي جسمه ماء. والماء يحمل إلى كل خلية في جسم الإنسان أسباب حياتها من أكسجين وغذاء وهو رمونات ومواد المناعة ودواء وفيتامينات، ويخلصها من كل نفاية مضرة وسامة. وكل العمليات الحيوية في جسم الإنسان – بلا استثناء – لا يجري إلا في وجود الماء؛ فدون الماء، لا يحدث تنفس، أو غذاء، أو هضم، أو حركة، أو إخراج أو تكاثر. ولولاه ما تذوق الإنسان طعما، وما شم عطرا، ولتيبست أنسجته، وتلاصقت مفاصله، وارتفعت درجة حرارة جسمه، حتى يموت.
قصة الماء مع الإنسان قصة طويلة، تبدأ معه نطفة تسبح في ماء، ثم جنينا في بطن أمه. وتصله ضرورات الحياة كلها من أمه محمولة مع الماء، ثم طفلا يرضع أول غذاء له من ثدي أمه لبنا سائغا قوامه الماء. بل إن الماء مع الإنسان حتى في آلامه وأخزانه التي يذرفها دموعا. فلا عجب أن يستطيع الإنسان الصبر على الجوع أياما كثيرة لكنه لا يتحمل الظمأ إلا يوما واحدا أو أياما قلائل لا تزيد على الأربعة غالبا.
يحصل الإنسان على حاجته من الماء من ثلاثة مصادر رئيسة: فنحو 47% منه يشربه ماء أو سوائل مختلف قوامها، 39% منه يكون فيما نسميه بالأغدية الصلبة؛ فاللحوم والخضروات والفواكه والخبز كلها فيها نسب من الماء؛ أما الجزء الباقي وهو 14% فيكون نتيجة عمليات الاحتراق الدائرة في الجسم. أما الماء الخارج من الجسم، فنحو من ثلثيه يخرج مع البول (95% من البول المعتاد ماء) أما الثلث الباقي، فيخرج مع العرق وهواء الزفير، وما تطرده الأمعاء.
الماء أعظم منتظم للضغط، ودرجة الحموضة، وتوزيع الحرارة، والمواد المختلفة بين أجزاء الجسم. ويتحكم في كمية الماء في الجسم، جهاز منظم بديع، فيجب أن يكون بين صادرات الجسم ووارداته توازن دقيق؛ فالإنسان إذا فقد من مائه نحوا من 1% من وزن جسمه شعر بالظمأ، وإذا فقد نحو 5% جف حلقه وجلده، وأصيب بانهيار تام. أما إذا تجاوز 10% فإنه سوف يقرب من الموت والهلاك، ولن ينقذ منه إلا شربة ماء. والعجيب أن ازدياد كمية الماء في الجسم أيضا خطيرة؛ فإنها تسبب الغثيان وارتفاع ضغط الدم، ثم تؤدي بالتدريج إلى اختلاط العقل، وفقد حاسة الاتجاه الصحيح، والاختلاحات، والتنشجات، والغيبوبة ثم الموت. وللماء فوائد أخرى للإنسان لا تعد؛ فهو يستخدمه في نظافته وإعداد غذائه وتناول طعامه، وفي صناعاته التي لا تكاد تستغني إحداها عن الماء، وفي انتقاله في الأنهار والبحار والمحيطات. بل إن التاريخ يذكر كثيرا من أنباء المعارك التي دارت بسببه، والحضارات التي ازدهرت بسببه، وتلك التي بادت بسبب فقده، أو سوء تدبيره.
وبعد فقد تبين لنا، أن الماء نعمة كبيرة من الله؛ فالماء أصل الحياة وسرها، ولذا يجب أن نحافظ على هذه النعمة بعيدا عن مصادر التلوث المختلفة، والا نسرف في استعماله.
[1] طه: 35
[2] النور: 45
Leave a Reply